تتصاعد حدة المواجهة بين القضاء الأمريكي وإدارة الرئيس دونالد ترامب، في مشهد يكشف عن أزمة دستورية متفاقمة بين سلطة تنفيذية تحاول فرض إرادتها، وسلطة قضائية ترفع راية حماية الدستور.
فمع عودة ترامب للبيت الأبيض لفترة ولاية ثانية مضطربة، بدأ التصادم يتسارع، بدءًا من تجاهل أوامر قضائية، إلى تنفيذ عمليات ترحيل رغم صدور قرارات إيقاف، وسط تهديدات قضائية باتهام الحكومة بازدراء المحكمة، مما يضع أسس الديمقراطية الأمريكية في اختبار حقيقي.
القضاء الأمريكي يشهر سلاح القانون
مع تجدد المواجهات، أظهرت المحاكم الفيدرالية موقفًا أكثر حسمًا. ففي تكساس، أوقفت المحكمة ترحيلات جماعية بقرار طارئ، وفي واشنطن، لم يتردد القاضي الفيدرالي جيمس بواسبيرج في التلويح باتهام إدارة ترامب بازدراء المحكمة بعد تجاهل أوامره.
وفي قضية أخرى، فرضت القاضية باولا زينيس رقابة يومية على الحكومة الأمريكية بعد ترحيل خاطئ لمواطن يُدعى كيلمار أبريجو جارسيا إلى السلفادور، مطالبة بإعادته فورًا إلى الولايات المتحدة، مع تقديم تقارير يومية عن سير العملية.
الديمقراطية الأمريكية على المحك
بن راتيرسدورف، الباحث في مجموعة “حماية الديمقراطية”، لخص الموقف قائلاً:
“الرئيس يختبر مدى قدرة القضاء على تقييده فعليًا.”
وأكدت صحيفة “الجارديان” أن سيادة القانون في الولايات المتحدة تواجه أخطر اختبار لها منذ عقود، مع تصاعد التساؤلات حول مدى التزام الإدارة بتنفيذ أحكام القضاء، وهو أمر جوهري لضمان بقاء النظام الديمقراطي.
تهديد لاستقلال القضاء
ستيفن بوربانك، أستاذ القانون بجامعة بنسلفانيا، حذر من أن قوة القضاء الأمريكي لم تبنَ فقط على القوانين، بل على احترام المعايير، مشيرًا إلى أن تجاهل ترامب لتلك المعايير يهدد مستقبل استقلال القضاء.
وفي موقف نادر، تدخلت المحكمة العليا الأمريكية بقرار طارئ لمنع ترحيل محتجزين في تكساس، بعد تلقيهم إشعارات غير مفهومة بالطعن القانوني، ما اعتبر خرقًا لحقوقهم القانونية الأساسية.
معسكر ترامب يرد بهجوم شرس
قرار المحكمة العليا لم يمر مرور الكرام، إذ شن معسكر ترامب هجومًا شرسًا، حيث كتب شون ديفيس، الرئيس التنفيذي لصحيفة “ذا فيدراليست”:
“إذا تجاهلت المحكمة العليا القانون، فعلى الرئيس أن يتجاهلها بدوره.”
بل وصل الأمر إلى الدعوة الساخرة لترحيل القضاة أنفسهم، في تصعيد خطير يعكس حجم التوتر بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
تصعيد داخل أروقة المحاكم
في موازاة ذلك، كثف القاضي بواسبيرج ضغوطه على الإدارة، ملوحًا بعقوبات مباشرة ضد المسؤولين، بينما أجبرت القاضية زينيس الحكومة على تقديم إفادات عن أسباب تأخير إعادة كيلمار جارسيا.
ورغم محاولات إدارة ترامب استئناف القرارات، أيدت محكمة الاستئناف بالدائرة الرابعة الأحكام القضائية، محذرة من اقتراب البلاد من “تصادم دستوري” لا رجعة فيه.
وفي كلمات مؤثرة، كتب القاضي هارفي ويلكنسون:
“نقترب من لحظة تصطدم فيها الفروع الدستورية ببعضها البعض… وقد يكتب التاريخ هذه اللحظة كرثاء مؤلم لما كان يمكن أن يكون.”