فوضى الأيام المئة الأولى من حكم ترامب: أربع نماذج تشرح المشهد
وسط الزخم العالمي، بدت رئاسة دونالد ترامب كصندوق أسود مليء بالأسرار والتقلبات، التي لا تنكشف إلا عندما يصطدم الواقع بالتوقعات بعنف.
فعلى مدار أول 100 يوم من حكمه، أعاد ترامب رسم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية، ليس بخطوات مدروسة، بل عبر موجات من الفوضى والتغيرات السريعة.
في هذا السياق، نستعرض معًا أربع نماذج تفسيرية رئيسية، تشرح كيف دخلت الإدارة الأمريكية في هذا المسار الغامض، وكيف انعكست تحركاتها على المشهد الدولي.
انفجار في السياسة الخارجية
في أقل من مئة يوم، شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تغيرات تكفي لملء سجل عشرين عامًا.
اتبعت إدارة ترامب مبدأ “التحرك السريع وكسر الحواجز”، مما خلق حالة من الفوضى وعدم الوضوح، سواء في علاقاتها مع القوى العالمية أو في تحركاتها داخل الملفات الإقليمية.
تقلبت مواقف الإدارة تجاه قضايا متعددة:
-
أحيانًا تفاوض روسيا، وأحيانًا تتصاعد لهجتها تجاه إيران.
-
اتخذت قرارات متناقضة مثل وقف إطلاق النار في غزة، ثم العودة للتهديد العسكري.
-
أغلقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فجأة، مما ترك مخزونًا هائلًا من المساعدات الغذائية ليتعفن بلا توزيع.
-
في ملف الهجرة، استعانت الولايات المتحدة بحكومة السلفادور لاحتجاز المهاجرين بدلًا من استقبالهم.
أما في المجال الاقتصادي، فرضت الإدارة رسومًا جمركية ثم ألغتها بنفس السرعة، مما ألقى بالاقتصاد العالمي إلى حالة من التخبط وعدم اليقين.
أربع نماذج تفسيرية لفوضى ترامب
وفق تحليل مجلة “فورين بوليسي”، يمكن فهم فوضى إدارة ترامب عبر أربع نماذج رئيسية:
1. عودة إلى الواقعية القاسية
النموذج الأول يفسر تصرفات الإدارة كمحاولة للعودة إلى “السياسة الواقعية”، مركزةً اهتمامها على الصين ونصف الكرة الغربي بدلًا من أوروبا والشرق الأوسط.
في هذا السياق:
-
ضغطت واشنطن على الحلفاء لزيادة إنفاقهم الدفاعي.
-
حاولت ترتيب تسوية مع روسيا بخصوص أوكرانيا.
-
أظهرت اهتمامًا بأمريكا اللاتينية والنفوذ الصيني في قناة بنما.
لكن رغم هذا التوجه الواقعي، ظهرت تناقضات مثل:
-
التفكيك غير المبرر لمؤسسات مهمة مثل إذاعة صوت أمريكا وUSAID.
-
فرض رسوم على شركاء قريبين مثل كندا والمكسيك، وهو ما يتعارض مع مبدأ الواقعية التقليدية التي تركز على تقوية الحلفاء.
2. السياسة الخارجية كامتداد للداخل
النموذج الثاني يرى أن سياسة ترامب الخارجية كانت مدفوعة باعتبارات سياسية داخلية:
-
تفكيك وكالات مثل USAID لخدمة مصالح الأغنياء.
-
التركيز على قضايا الهوية والهجرة لكسب تأييد القاعدة الجمهورية.
ورغم وضوح هذا النموذج في بعض الملفات، إلا أنه لا يفسر الاهتمام الأمريكي المستمر بالشرق الأوسط أو بالدعم غير المشروط لإسرائيل.
3. تكرار نمط الولاية الأولى
النموذج الثالث يشير إلى أن الفوضى ليست جديدة، بل تكرار لما حدث في ولاية ترامب الأولى:
-
بداية فوضوية أعقبها تراجع نحو سياسة جمهورية تقليدية.
-
محاولة المزاوجة بين الواقعية القومية وأسلوب ترامب الشخصي في الحكم.
ومع ذلك، ظلت التناقضات قائمة، خاصةً بين مواقفه من إسرائيل وإيران، وكذلك مقاومة بعض القيادات الجمهورية لنهجه الفردي.
4. صراع داخلي بالحزب الجمهوري
النموذج الرابع يُبرز الصراع الداخلي العميق بين جناحين داخل الحزب الجمهوري:
-
تيار قومي حمائي يركز على مواجهة الصين وتقوية أمريكا داخليًا.
-
وتيار أممي محافظ يسعى للإبقاء على التحالفات الدولية التقليدية.
وكانت انحيازات ترامب واضحة تجاه التيار القومي، لكن النزاعات الداخلية، وإقالة شخصيات بارزة، تكشف أن الصراع داخل الإدارة والحزب لا يزال قائمًا، مما يجعل سياسة ترامب الخارجية متخبطة وغير مستقرة.
الخلاصة
رغم مرور 100 يوم فقط، أظهرت إدارة ترامب فوضى غير مسبوقة على صعيد السياسة الخارجية، ومن المرجح أن تستمر هذه الحالة بل وقد تتفاقم مع مرور الوقت.
ومع كل قرار مفاجئ أو تراجع سريع، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل يفرض ترامب إرادته الكاملة على الحزب الجمهوري؟ أم أن الحزب والجهاز السياسي الأمريكي سيفرضان قيودًا على تحركاته؟
العالم كله ينتظر الإجابة، وسط مخاوف من أن تكون الفوضى هي العنوان العريض للسنوات القادمة من الحكم.