دراسة أثرية: مصر القديمة أول من اعترفت بحقوق العمال

كشفت دراسة حديثة أعدتها حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان، أن الحضارة المصرية القديمة كانت من أوائل الحضارات التي اعترفت بحقوق العمال ووفّرت لهم سبل الحياة الكريمة، وهو ما يؤكد أن مصر القديمة لم تكن فقط حضارة بناء، بل حضارة إنسانية متكاملة وضعت الإنسان في قلب منظومتها.

وقد أوضحت الدراسة، التي أعدتها لجنة الدراسات والبحوث بالحملة برئاسة الدكتورة رنا التونسي، أن عمال البناء في مصر القديمة تمتعوا برعاية شاملة من الدولة، سواء من حيث تنظيم بيئة العمل أو توفير الاحتياجات الأساسية من مسكن ومأكل وملبس ورعاية صحية، بالإضافة إلى تحديد ساعات العمل ومنح الإجازات، خاصة مع بداية الاعتماد الكبير على البناء بالحجر في المشروعات الكبرى.

وأكدت الدكتورة التونسي أن النصوص المصرية القديمة أوضحت بشكل صريح حقوق العمال في الحصول على أجورهم كاملة، وتوفير المسكن والملابس والتغذية، بجانب منحهم الرعاية الصحية والإجازات المرضية، وهو ما يعكس تطور الفكر الإداري والاجتماعي لدى الدولة المصرية القديمة.

وفي تعليقه على الدراسة، أوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، خبير الآثار وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن تغذية هذا العدد الكبير من العمال كانت تحديًا كبيرًا، لكن الدولة نجحت في ذلك من خلال توفير وجبات متوازنة تعتبر بمثابة جزء من أجر العامل.

وجبات متكاملة أثناء العمل:

كانت الوجبات اليومية المقدمة للعمال خلال فترات الراحة جزءًا من حقوقهم، وتضمنت ما يشبه “حمية البحر الأبيض المتوسط”، حيث احتوت على الثوم، وزيت الزيتون، والخبز، والخضروات، والفاكهة، والأسماك، بالإضافة إلى كمية محدودة من اللحوم.

تنظيم ساعات العمل:

شهدت مواقع العمل في مصر القديمة تنظيمًا دقيقًا لساعات العمل والراحة. ففي عصر الدولة القديمة، كان العمال يستيقظون قبل شروق الشمس ويتوجهون إلى مواقع البناء مثل الأهرامات عبر بوابات محددة، ويعملون حتى الظهيرة حيث يحصلون على قسط من الراحة ووجبة طعام، ثم يعودون للعمل حتى الغروب.

أما في قرية دير المدينة، فكان العمال يتوجهون إلى أعمالهم في المقابر الملكية مع الفجر، ويعملون لثماني ساعات يوميًا، مع الحصول على أدواتهم من الكاتب، وتناول وجبة خفيفة عند الظهيرة، ثم استكمال العمل حتى الانتهاء من المهام المكلفين بها.

رعاية صحية متقدمة:

سلطت الدراسة الضوء على جانب مهم، وهو اهتمام الدولة المصرية القديمة بالرعاية الصحية للعمال، خصوصًا في ظل تعرضهم للإصابات نتيجة استخدام أدوات حادة أو التعامل مع أحجار ضخمة تزن أطنانًا. ولتوفير الحماية، أنشأت الدولة مراكز طوارئ، وقدمت العلاج والأدوية، وعينت أطباء في أماكن العمل، خاصة في مناطق المناجم مثل سيناء.

وكان هناك أيضًا نظام لأطباء متخصصين، مثل طبيب المعبد الجنائزي، وطبيب المقبرة، و”أطباء المجموعات” الذين كانوا يتابعون الحالة الصحية لعدد محدد من العمال.

ومن أبرز الشواهد الأثرية على هذا الاهتمام، تمثال الطبيب المصري “بوير” من الأسرة التاسعة عشرة، والمحفوظ حاليًا في الفاتيكان، والذي حمل لقب “كبير أطباء الجبانة”

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

This field is required.

You may use these <abbr title="HyperText Markup Language">html</abbr> tags and attributes: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>

*This field is required.