تُعد قناة السويس من أهم الممرات المائية في العالم، لكونها تربط بين البحرين المتوسط والأحمر وتختصر الوقت والتكاليف بين قارتي أوروبا وآسيا. هذا الممر البحري الاستراتيجي يخضع لسيادة مصر الكاملة، وقد حُفر بدماء أكثر من 1.5 مليون عامل مصري بين عامي 1859 و1869، تحت إشراف المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، وبموجب امتياز منحته الدولة المصرية.
وفي تصعيد مفاجئ، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلاً دوليًا واسعًا بعد مطالبته بمرور السفن الأمريكية، التجارية والعسكرية، مجانًا عبر قناة السويس، وهو ما اعتُبر تحديًا صريحًا للسيادة المصرية وخرقًا واضحًا للقانون الدولي، كما وصفه المفكر والمؤرخ القضائي د. محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة.
وفي دراسة موسعة بعنوان “ترامب يتحدى القانون الدولي بالدعوة المجانية لسيادة الممر المائي المصري”, أكد خفاجي أن تصريحات ترامب تمثل تحريفًا للتاريخ، فالقناة مشروع مصري–فرنسي بحت، لم يكن للولايات المتحدة فيه أي دور سياسي أو مالي أو هندسي، إذ لم تكن حينها حتى قوة بحرية كبرى.
وأشار خفاجي إلى أن قناة السويس تم تأميمها في 26 يوليو 1956 بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، وأُقر ذلك دوليًا، ولم تعترض عليه أمريكا رسميًا، مؤكدًا أن مرور السفن يخضع لاتفاقيات دولية ورسوم غير تمييزية تُفرض على الجميع دون استثناء، وأي دعوة للإعفاء تُعد خرقًا للمادة (2/1) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على المساواة في السيادة بين الدول.
كما شدد على أن القانون الدولي لا يمنح امتيازات لدول بحجة “الإسهام التاريخي” – وهو في حالة أمريكا إدعاء باطل – موضحًا أن مثل هذه التصريحات تفتح الباب لفوضى عالمية، وتقوّض النظام الدولي القائم على القانون والتكافؤ.
وفي ظل حساسية هذا التصريح، حذر خفاجي من أن مثل هذه الدعوات تُشرعن للفوضى الدولية، وتُعد تدخلاً مرفوضًا في الشأن السيادي المصري، كما تتعارض مع المادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر التدخل في شؤون الدول الداخلية.
واختتم الدكتور خفاجي دراسته بالتأكيد على أن تصريحات ترامب لا تعكس فقط عقلية استعمارية تجاوزها الزمن، بل تهدد قواعد الشرعية الدولية، وتدعو إلى هيمنة قوى كبرى على الممرات المائية الاستراتيجية، داعيًا إلى رد دولي حازم لحماية القانون الدولي، والحفاظ على استقرار العلاقات الدولية وسيادة الدول.